الشباب السوري.. قصص البحث عن عمل في الإمارات وأربيل
ظروف اقتصادية جعلت من السفر حلماً كبيراً وسرمدياً لشباب وشابات من طرطوس لعلهم يجدون عملاً ودخلاً يناسب تكاليف المعيشة، وفي الآونة الأخيرة كبرت وانتشرت ظاهرة السفر إلى دولة الإمارات نتيجة فتح «فيزا» السياحة إليها على أمل أن يجد هؤلاء الشباب عقد عمل قبل انتهاء مدة الإقامة السياحية، ولكن هل يسرت أمورهم؟ هل سافروا ووجدوا ظروفاً معيشية أفضل؟ هل عملوا جميعهم وفق اختصاصهم؟ وهل كانت الأعمال الموعودة بانتظارهم؟
في مجموعات التواصل الاجتماعي نجد عشرات المنشورات التي تطالب بعمل أو لقمة عيش أو إقامة، والتي تشير إلى عدم إيجاد مكان عمل بالسهولة التي ظنها البعض… ومن هذه الأمثلة: «عم دور ع شغل لشب سوري موجود في دولة الإمارات المهنة حلاق رجالي 10 سنين وممكن يشتغل بمطعم أو أي شي، يا ريت يلي بيعرف يحطلي أسماء صفحات صالونات بدبي أو أبوظبي نتواصل معاً لأن مالو حدا بهي المناطق يروح يدور فيهن».
«جيت زيارة لدبي وعم دور على شغل حطيت كل ما أملك حتى قدرت أوصل لأشتغل وأقدر اسند أهلي وما توفقت لحد الآن معي بكالوريوس تربية ومشتغل بالمبيعات وعندي خبرة بشغل الجمعيات بسورية.. إخوتي رجاءً أي حدا بيقدر يساعدني بشغل بكون ممنون».
«الدال على الخير كفاعله أنا صرلي شهرين بالإمارات وما حصلت ع شغل وفيزا الزيارة رح تنتهي بعرف الوضع صعب عالجميع أنا عندي خبرة بالمبيعات وكنت موظفاً بشركة مقاولات وخبرة بالمحاسبة وعامل دورة HR، وخريج جامعة مخابر وتحاليل طبية بس اختصاصي بدو تعديل وترخيص وكتير أمور ما بقدر ساويها بالوقت الحالي، لغتي متوسطة، أي حدا عندو فرصة عمل بأي مجال يتواصل معي يلي بيقدر يساعدني اللـه يجعلا بميزان حسناتو».
«يلزمني شغل ضروري أنا سوري بعجمان عندي خبرة بمجال الإكساء العقاري أو أي شغل ثاني وين ما كان بالإمارات، يلي يعرف ويقدر يساعدنا يعمل معروف».
«عم دور ع شغل بمجال المطاعم أنا معلم أراكيل خبرة 9 سنين وإذا ما نوجد بشتغل بأي شي أنا حالياً بعجمان آخر الشهر رح اطلع من الغرفة ما إلي قدرة أستاجر بتمنى حدا يساعدني حتى لو الشغل بدبي بشتغل بس يكون السكن مأمن مع الشغل أنا معي شهادة مساحه مساعد مهندس».
«جماعة الخير أنا نايم في الشارع من صباح اليوم في الفجيرة.. اللـه يجبر بخاطركم ارحموني من نومة الشوارع يرحمكم ربنا».
هذه بعض من أمثلة موجودة ومكتوبة في مجموعات التواصل تطالب وتناشد بوظائف ومساعدة تظهر مدى صعوبة السفر عن جهل ومن دون دراية وتحضير لاسيما بالنسبة للخبرات من لغات ومهارات تواصل وغيرها، فيقع الأهل بمشاكل مالية كبيرة ومن دون نتيجة.
هذا الأمر يشمل من سافر أيضاً إلى العراق سواء إلى أربيل أو غيرها حيث عاد في الآونة الأخيرة شابان إلى طرطوس متوفيين نتيجة مشاكل وحوادث أليمة في أربيل.
وهو الأمر نفسه الذي يتعرض له الشبان الذين يعملون في لبنان من ابتزاز وسوء معاملة، حيث أكد لنا أحد الشبان أنهم ينامون في غرف خالية من الشبابيك والأبواب من أجل أجر بالدولار لعل هؤلاء الشباب يحصلون على منزل في بلادهم أو يفتحون صنعة جيدة بعد عودتهم.
ومن خلال تواصلنا مع عدد من الأسر التي سافر أبناؤها، أشار البعض إلى أن السبب الرئيسي للسفر كان الأجور المرتفعة في تلك الدول لادخار مال لهؤلاء الشباب من أجل بناء أسرة كريمة ولكن البعض أكد أن الأصدقاء هم السبب بتحفيز رفاقهم في سورية للسفر بحيث يقيمون عندهم ريثما يتم تأمين عمل.
وأشارت إحدى الأمهات إلى أن ابنتها سافرت إلى الإمارات ولكن صدمت بضرورة امتلاكها لغة إنكليزية ممتازة ما دفع ابنتها إلى اتباع دورات مكلفة ومازالت أسرتها ترسل لها المال. وأسرة شاب في أربيل أكدت أن ابنها نام بالطرقات لمدة شهر حتى وجد عملاً له كنادل في أحد المطاعم علماً أنه مهندس. وأسرة شب آخر وهو مدرس أكدت أنه يعمل أجيراً في أحد المحال بأربيل لكي يسد دفع بدل الخدمة الإلزامية.
وللوقوف على تداعيات هذا الأمر تواصلنا مع عميد كلية الاقتصاد بطرطوس د. طلال سليمان الذي أشار إلى أن الهجرة ظاهرة قديمة حديثة حيث في ظل الظروف الحياتية يلجأ الكثير من الأشخاص إلى الهجرة خارج البلد وهناك العديد من الأسباب التي تدفع الشخص إلى الهجرة كالبحث عن عمل مناسب أو تعرض الدول إلى الأزمات الاقتصادية والبطالة وحدوث الحروب والكوارث وعدم تقدير الكفاءات وقلة فرص العمل والأجور والكثافة السكانية المرتفعة التي تسبب البطالة وانخفاض المستوى الاقتصادي، ومما لاشك فيه أن للهجرة الكثير من الإيجابيات ولعل أبرزها الانتقال إلى حياة أفضل من الناحية المعيشية والاقتصادية والعلمية، كما يتعلم الإنسان مهارات مختلفة وجديدة وتساعد على تبادل الثقافات والتقاليد الجديدة، وأهم إيجابية هي التحويلات التي يرسلها الشخص المهاجر إلى ذويه والتي تساعد على التقليل من نسبة الفقر ويصبح المجتمع أكثر رقياً، كما تلعب الهجرة دوراً في تنمية المجتمعات الفقيرة وتحسين المستوى الثقافي والاجتماعي لهذه المجتمعات ولكن على الرغم من هذه الإيجابيات إلا أنه لا يمكن نفي أن للهجرة سلبيات عديدة ولعل أبرزها فقدان الدول الكثير من العمالة التي تحتاجها وخاصة العمالة المؤهلة التي يعمل الغرب عموماً والدول العربية خصوصاً على استقطابها من خلال الحوافز المادية والمعنوية وهذا الأمر يدفع الجميع إلى التفكير بالهجرة بغية تحسين مستوى الدخل وبالتالي مستوى المعيشة أفضل.
ولكن التساؤل: هل أملك الإمكانات والمؤهلات التي تسمح لي بالحصول على فرصة عمل جيدة بما يناسب إمكاناتي في بلاد الاغتراب ولأن هذه المجتمعات تعاني في الأساس من البطالة لذلك لن يكون بمقدور الأيدي العاملة المهاجرة تأمين فرصة عمل بسهولة، لذلك نجد الكثير من هذه الأيدي العاملة تقبل بفرص عمل أقل بكثير من إمكانياتها ومؤهلاتها ومن هنا تصبح الهجرة دون جدوى، وكانت القيادة في سورية بتوجيهات السيد الرئيس واعية تماماً لهذا الأمر من خلال التركيز على قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال إحداث بنك التمويل الأصغر وفتح باب القروض المتنوعة التي توفر التمويل اللازم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوفر فرص عمل للشباب وتساهم في حل مشكلة البطالة وتحسين مستوى الدخل وبالتالي مستوى المعيشة كما تساهم في الحد من ظاهرة الهجرة والمحافظة على القوة العاملة المؤهلة ووضع إمكانياتها ومؤهلاتها في خدمة البلد وبالتالي تحقيق التنمية المنشودة.
وفي النهاية لا يمكن توجيه اللوم إلى هؤلاء الشباب والشابات أمام هذه الظروف المعيشية الصعبة جداً في القطر ولاسيما أن فروقاً وثغرات كبيرة في النظام الاقتصادي محكوم فيها البلد وخاصة بالنسبة للفرق الكبير بين المداخيل والمصاريف وأسعار العقارات والإيجارات وغيرها.
ربا أحمد – الوطن