في الذكرى الـ 24 للغياب.. حافظ الأسد .. رؤى وتأملات.. بقلم: أ. د. بارعة القدسي
(1)
مع حافظ الأسد, وبقيادة حافظ الأسد ,وبفكر حافظ الأسد ,وبعالم حافظ الأسد الرحيب, أمكن الانتقال إلى مرحلة نوعية جديدة ,صرنا فيها نغلب ما هو جوهري وأساسي على ما هو هامشي وثانوي, وصرنا فيها نتجاوز ما هو طارئ وعابر ومؤقت, إلى ما هو راسخ وثابت ومستمر, وصرنا فيها نحتكم إلى العقل, بدلاً من الاحتكام إلى العضلات ,وصرنا فيها نلجأ إلى الحوار بالكلمات, بدلاً من اللجوء إلى الحوار بالطلقات, وصرنا فيها مستعدين وجاهزين للاعتراف بالآخر, بدلاً من حذفه, وللإقرار بوجوده بدلاً من محاولة إلغائه، وللحوار معه بدلاً من إعدامه, ولم تكن تلك مجرد نقلة عادية في حياتنا السياسية، وإنما تجاوزت ذلك لتغدو نقلة نوعية ذات طعم خاص, ومذاق خاص, ونكهة خاصة.
(2)
هذا الذي تحقق عبر سنوات عديدة لا يمكن أن تتسع له الكتب المجلدات فكيف يمكن أن تتسع له صفحات معدودات..؟
ومع ذلك فإنّ هذا الكثير الكثير الذي تحقق يمكن بالمجازفة المحسوبة والمدروسة، اختزاله في بضع كلمات, وهي أنّ سورية مع حافظ الأسد وبحافظ الأسد, وكان فعلها في محيطها وفي العالم من حولها أكثر عمقاً وأشد تأثيراً, مما تسمح به إمكانياتها المنظورة, لكن حافظ الأسد لم يكن يراهن في وقت من الأوقات على الجغرافيا الضيقة.
(3)
حافظ الأسد كان يراهن دائماً على سورية الدور, وليس فقط على سورية الموقع والموضع, وحين تكون المراهنة على الدور, فإنها تكون في الوقت نفسه رهاناً على البطل، لأنّ الدور يبحث دائماً عن بطل, وفي لحظة تاريخية معينة يكون هذا البطل جاهزاً للنهوض إلى حمل مسؤولياته الوطنية والقومية, وحين كتب “بيرانديللو” الإيطالي مسرحيته الشهيرة “ست شخصيات تبحث عن مؤلف”، وهي المسرحية التي أشار إليها جمال عبد الناصر في كتابه فلسفة الثورة، فإنه كان يقصد القول إن المسرح موجود ومهيأ ,وهو يحتاج إلى المؤلف الذي يكتب عملاً, يجعل لهذا المسرح وجوداً فاعلاً ومؤثراً.
سورية الدور عند حافظ الأسد ,هي الأساس وهي الرهان الرابح, والبطل هنا هو حافظ الأسد نفسه, وحين تكون اللحظة التاريخية مهيأة لظهور البطل، فإنه هذا البطل سرعان ما يغدو مهياً للظهور, لكنّ البطل وهو هنا حافظ الأسد ليس مجرد استجابة عفوية وتلقائية لهذه اللحظة التاريخية، وإنما هو في الوقت نفسه وبالإضافة إلى ذلك فعل حاسم في هذه اللحظة التاريخية ,يضيف إليها ويغني ويصنع لها مذاقها المتميز إنه فعل الإنسان في التاريخ ,أوليس التاريخ في نهاية المطاف من صنع الإنسان؟
(4)
كذلك فإنّ حافظ الأسد لم يكن يراهن في يوم من الأيام, على الإمكانيات المنظورة فالوجود عند حافظ الأسد وجودان, وجود بالقوة, ووجود بالفعل, أي وجود كامن ووجود متحقق والوجود الكامن أكثر غنى وثراء من الوجود المتحقق, وبالتالي فإن استنطاق الوجود الكامن، ومن ثم استحضار هذا الوجود واستقدامه ومن ثم مرة أخرى نقله من حالة الوجود بالقوة إلى حالة الوجود بالفعل, يضيف إلى الإمكانيات المنظورة أي المتحققة, إمكانيات أخرى هائلة في حجمها وفي فعلها وتأثيرها.
(5)
أليس هذا هو بالتحديد وبالتعيين بعضاً مما كان يفعله حافظ الأسد؟.
ثم أليس هذا مجرد بعض ,وأقول مجرد بعض, مما يستكمل فعله الرئيس بشار الأسد؟
أليس كذلك..؟
نقلاً عن صحيفة الميثاق