لقاءات

إساءة الأمانة هل هي جرم يعاقب عليه القانون؟.

خاص موقع لأجلك سورية الإخباري ..

ضمن زاوية الناس والقانون والتي ننشر خلالها إجابات قانونية على التساؤلات التي ترد إلى موقع لأجلك سورية الإخباري الحديث سيدور حول موضوع إساءة الأمانة فقد وردت إلى بريد الموقع رسالة من الأخت (لمياء . س) تقول فيها : (( منذ عشر سنوات قمت ببيع منزلي واشتريت بثمنه ذهباً، وبعد فترة اضطررت للسفر خارج سورية وأودعت الذهب الخاص بي عند خالتي ، وبعد مضي أربع سنوات رجعت إلى سورية وعندما طالبت خالتي بالذهب الذي وضعته عندها كأمانة أنكرت الموضوع  وادعت بأنني لم أضع عندها أي شي .. ما هو الإجراء المتبع حيال خالتي ؟.. هل استطيع مقاضاتها أمام القانون وخصوصا انه لم يكن هناك شهود على ذلك؟.. ))

موقع لأجلك سورية الإخباري أحال هذا التساؤل إلى المحامي ملهم حسن قاسم الذي أكد أن الأمانة هي عنصر مهم وأساسي في استقرار التعامل بين الأفراد وفي كافة المجتمعات وقد نصت كافة الشرائع السماوية على ضرورة حفظ الأمانة وردها لمستحقها وقد حضت الشريعة الإسلامية السمحاء على رد الأمانة والحفاظ عليها وورد ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة… فقد قال اله  عز وجل في كتابه الكريم ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها” سورة النساء 58… وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيه ” أد الأمانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك”. وقد عوقب خائن الأمانة وفق الشريعة الإسلامية بالتعزيز.

كما أن قانون العقوبات السوري الصادر عام 1950 قد نص في المادتين /656 – 657/ على جريمة إساءة الأمانة وحدد لها عقاب يتناسب مع جسامة الفعل المرتكب لما لهذه الجريمة من وقع مؤثر على المجتمع يؤدي إلى زعزعة الثقة في التعامل بين أفراده فكان لا بد من تجريم هذا الفعل ليصار إلى حفظ الحقوق والاستقرار في المعاملات…

وحول تعريف إساءة الأمانة قانوناً، أوضح المحامي قاسم لموقع لأجلك سورية الإخباري أن الفقهاء قد عرفوها بأنها استيلاء الشخص على منقول يحوزه بناءاً على سند مما حدده القانون عن طريق خيانة الثقة التي أودعت فيه بمقتضى هذا السند وذلك عن طريق تحويل صفته من حائز حيازة ناقصة لحساب مالكه إلى مدعي بملكية هذا الشيء، مشيرا الى ان جريمة إساءة الأمانة تتميز بطبيعة خاصة حيث أنها من الجرائم الوقتية التي تقع بمجرد وقوع الفعل الجرمي وتحقق نتيجته، لافتا الى ان مدة التقادم على هذا الجرم والتي حددها المشرع بثلاث سنوات، تبدأ كما في الجرائم الجنحوية الوصف من تاريخ إنكاره أو الامتناع عن تسليمها أو من تاريخ وجود دلائل تدل على وقوع الجريمة في وقت معين حسب نص المادة /438/ من قانون الأصول الجزائية: “تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي في الجنحة بانقضاء ثلاث سنوات على الوجه المبين في الحالتين المذكورتين في المادة السابقة”.

وقد استقر الاجتهاد على ذلك ” إن التقادم في جريمة إساءة الائتمان يبدأ من تاريخ الإنكار أو الامتناع عن تسليم الأمانة لا من تاريخ تسليمها” نقض سوري أساس 4830 قرار 1994 قاعدة 1878 استانبولي ج1.

 وحول أركان جريمة إساءة الأمانة أكد المحامي قاسم لموقع لأجلك سورية الإخباري ان هناك ثلاثة أركان لهذه الجريمة وهي على النحو التالي :

أولاً: الركن المادي: وهو يتجلى بحيازة الشيء بقصد تملكه ويجب توافر عدة شروط لحصول الفعل الجرمي، اولها وجود عقد الأمانة : يجب أن يكون تسليم الأمانة قد تم بموجب عقد أمانة منظم وفق القانون ووفق القواعد التي حددها المشرع في الورقة أو العقد لكي تصبح سنداً للأمانة، وهنا يجب على القاضي أن يبين في قرار الإدانة العقد الذي تسلم به المدعى عليه الأمانة ليكون حكمه سليما.

اما عن ثاني شروط حصول الفعل الجرمي هو الاجتهاد: فلا يعد شخص فاعلاً لإساءة الائتمان أو شريكاً فيها ما لم يرتبط بالمجني عليه بعلاقة قانونية من قبيل ما حدده القانون لأن هذه العلاقة هي التي توفر مقتضيات ارتكاب هذه الجريمة”.

وثالث هذه الشروط ان يكون موضوع إساءة الأمانة مالاً مادياً منقولاً:  لان جريمة إساءة الأمانة هي جريمة ضد المال والأصل فيها الاعتداء على حق الملكية وهذا الحق لا يرد إلا على مال ذو طبيعة مادية ومنقولاً.

رابع هذه الشروط ان يكون المال مملوكاً للغير، فإذا كان المال محل موضوع الأمانة مملوكاً لمسيء الأمانة نفسه أو لا يدخل في ملك أحد لا تقوم جريمة إساءة الأمانة أو كان تسليم المال بناء على عقد الأمانة تسليماً ناقلاً للملكية فلا يمكن أن تنسب إلى الحائز جريمة إساءة الأمانة ولو خالف نص العقد.

خامس شروط حصول الفعل الجرمي ان يكون التسليم ناقلاً للحيازة، حيث يشترط أن تكون حيازة المدعى عليه للشيء محل الأمانة حيازة ناقصة وبناء على سبب مشروع أي أن التسليم صدر عن إرادة سليمة بناء على أحد العقود الواردة حصراً في التشريع وهي ( الوديعة – الإجارة – الوكالة – العارية – الرهن – لإجراء عمل بأجر أو بدون أجر).

– الوديعة : هي عقد يلتزم فيه شخص أن يتسلم من آخر شيء على أن يتولى حفظه وعلى أن يرده عيناً.

– الإجارة : هي عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم.

– الوكالة : هي عقد يلتزم بمقتضاه الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب موكله.

– العارية : هي عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئا غير قابل للاستهلاك ليستعمله بلا عوض لمدة معينة أو لغرض معين على أن يرده بعد الاستعمال.

– الرهن : هو عقد يخصص بمقتضاه شيء منقول مادي أو غير مادي بتأمين التزام ما.

وعن ماهية الفعل الجرمي عرّفه المحامي قاسم بانه إرادة الفاعل الذي يعرف أن يده على الشيء المؤتمن عليه يد حيازة ناقصة وقصد تغيير نوع هذه الحيازة وجعلها كاملة جاحدا حقوق المجني عليه ومنكراً لسلطاته على الشيء وإرادة التغيير للحيازة من ناقصة إلى كاملة هي جوهر الفعل الجرمي وتظهر هذه الإرادة للعلن من خلال الأفعال المادية المدللة على تغيير نوع الحيازة وهي كتم الشيء بإخفائه وإنكار وجوده بشكل يجعله عديم القيمة أو بالتمزيق والتبديد والاختلاس أو التصرف بالشيء.

 اما النتيجة الجرمية فهي وبحسب المحامي ملهم : الضرر الذي يترتب على الفعل الجرمي والمشرع لم يعتمد في تحديد مدلول الضرر في جريمة إساءة الائتمان على التوسع في تحديده فلم يفرق بين ضرر مادي وضرر معنوي وضرر حال وضرر محتمل وبين ضرر جسيم وضرر يسير ولا أهمية لكون المدعى عليه قد كسب من فعله أم لا كما أنه لا أهمية في قيام الجريمة لكون المال مملوكا للمجني عليه المتعاقد أم لا.

وحول عناصر الجريمة فهي تتكون من عنصرين وفقا للمحامي قاسم، الاول : توجيه إنذار من قبل المجني عليه قبل إقامة الدعوى الجزائية لكشف نية الفاعل بوضوح ويعتبر بذلك الإنذار ركناً من أركان جريمة إساءة الائتمان وليس وسيلة من وسائل إثباته حسب نص الاجتهاد المستقر، والثاني : عدم إبراء المدعى عليه ذمته بعد توجيه الإنذار له.

وبالعودة الى أركان جريمة إساءة الأمانة حيث أكد المحامي ملهم لموقع لأجلك سورية الأخباري ان ثاني هذه الاركان هو الركن المعنوي: وهنا لا بد من توافر القصد الجرمي في جريمة إساءة الائتمان والتي نص عليه في المادة /656/ بالقول ” كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس… “. لذلك فجريمة إساءة الأمانة من الجرائم القصدية ولا يكفي الخطأ لتحقق النتيجة الجرمية، لافتا الى ان هذه المادة تتطلب قصداً خاصاً وهو نية تملك الشيء وهو علم المدعى عليه بفعله بكون المال مملوكاً لغيره وأن يكون الضرر محتملا بفعل المدعى عليه وتوافر إرادة ارتكاب الفعل وتحقق النتيجة وتوافر القصد الخاص من خلال نية تملك الشيء، ومشيرا الى ان المادة /657/ تضمنت تعبيراً يفهم منه أن مجرد الخطأ كاف لتوفر الركن المعنوي فقد اكتفى الشارع لتحقيق هذه الجريمة كون المدعى عليه “يعلم أو كان من واجبه أنه لا يمكنه إعادة مثل المال الذي تسلمه”، ويتحقق الركن المعنوي وفقاً لهذه المادة بالقصد والخطأ على السواء.

اما الركن الاخير من أركان جريمة إساءة الأمانة هو الركن القانوني حيث لفت المحامي قاسم الى إن جريمة إساءة الأمانة من الجرائم الواقعة على الأموال حسب نص المادتين /656 – 657/ من قانون العقوبات:

المادة /656/: كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس أو إتلاف أو تمزيق سند يتضمن تعهداً أو إبراء، أو شيء منقول آخر سلم إليه على وجه الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العارية أو الرهن، أو لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة شرط أن يعيده أو يقدمه أو يستعمله في أمر معين يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة تتراوح بين ربع قيمة الردود والعطل والضرر وبين نصفها على أن لا تنقص عن ألفي ليرة.

المادة /657/: كل من تصرف بمبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات سلمت إليه لعمل معين وهو يعلم أو كان يجب أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة مثلها ولم يبرئ ذمته رغم الإنذار، يعاقب بالحبس من ثلاث أشهر إلى سنتين وبالغرامة حتى ربع قيمة الردود والعطل والضرر على أن لا تنقص الغرامة عن ألفي ليرة.

– يتوقف تحريك الدعوى العامة بجرم إساءة الأمانة على ورود شكوى من المجني عليه بحق الفاعل ولا عبرة لجهل مرتكب الجريمة في تحريك الدعوى العامة بحقه.

في حال تعدد المجني عليهم يكفي أن يتقدم أحدهم بالشكوى لتحرك النيابة العامة الدعوى بالنسبة لكامل المال الذي نالته الجريمة.

في النهاية لابد من الإشارة إلى أنه بالرغم من أن المشرع قد حرص على تعزيز الثقة بالأمانة ومعاقبة مرتكبيها حفاظاً على الحقوق وصوناً للمبادئ الإنسانية، إلا أنه ومن خلال التطبيق العملي نجد أن معظم الدعاوى المتعلقة بإساءة الأمانة لا تنطوي في الحقيقة على اقتراف هذا الجرم، بل يتخذ البعض عقد وسند الأمانة كوسيلة ضمان الغاية منه التغطية على معاملات أخرى تمت بين الطرفين كالقرض والدين وفي الأعمال التجارية وغيرها.. مما أخرج النص والعقاب في جريمة إساءة الأمانة عن روحه ومضمونه وهدفه الحقيقي وشغل المحاكم بكم كبير من الدعاوى التي يرد أغلبها لكون العلاقة بين الطرفين هي علاقة تخرج عن مفهوم الأمانة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى