ربط التعليم الجامعي بالمجتمع السوري.. طموح يعرقله الواقع وجهود مضنية لتفعيله
لأجلك سورية_ منار إسماعيل
الهدف الأساسي من التعليم رفد سوق العمل بالأشخاص المؤهلين من كل الاختصاصات للمساهمة في تنمية المجتمع اقتصادياً واجتماعياً، وهذا الأمر ينطبق على بلدنا التي تحتاج إلى كل الخبرات للنهوض وتحقيق التنمية الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب.
موقع لأجلك سورية الإخباري رصد آراء بعض طلاب الجامعة حول ذلك، حيث أكد الطالب علاء من كلية الإعلام وجود فجوة بين ما يتلقاه في الجامعة وبين متطلبات سوق العمل، في حين رأى الطالب عبد الرحمن من كلية العلوم الصحية بأن الكلية تخرج أشخاص مؤهلين للدخول مباشرة في سوق العمل، الأمر ذاته أكدته الطالبة روان التي تدرس ماجستير في كلية طب الأسنان.
“العمر: ضرورة ردم الفجوة بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل”
الاتحاد الوطني لطلبة سورية كان له رأي في هذا الموضوع حيث أكد الأستاذ عماد العمر رئيس مكتب التعليم العالي وقضايا الطلبة في الاتحاد لموقع لأجلك سورية الإخباري أهمية ربط التعليم وخصوصا التعليم العالي بالمجتمع ، والدور الأساسي للجامعات في تطوير وتنمية المجتمع، لافتا إلى أن كل الأبحاث العلمية يجب أن تكون مرتبطة بحاجات قطاعات العمل سواء في مؤسسات الدولة أو مؤسسات المجتمع، وضرورة ردم الفجوة بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل، وأن يكون هناك تشاور دائم بين مؤسسات التعليم العالي وسوق العمل لنعرف المهارات المطلوبة لهذا السوق سواء من حيث طبيعة هذه المهارات والعدد المطلوب كي يتمكن الخريج من الدخول مباشرة لسوق العمل.
وحول الخطوات التي اتخذها الاتحاد الوطني لطلبة سورية في موضوع ربط مخرجات التعليم بسوق العمل، أكد العمر أن الاتحاد نفذ مجموعة من المسابقات الريادية على مستوى رواد الزراعة والطاقات المتجددة والمحتوى الرقمي، إضافة إلى تنفيذ ملتقى الاستثمار الريادي فرصة ١ وفرصة ٢ من خلال تقديم الاستشارات القانونية والمالية اللازمة للطلاب حتى يتمكنوا من تحويل أفكارهم الريادية إلى مشاريع حقيقية تدر عليهم أرباحاً، ويكون لها فائدة في استهداف حاجات المجتمع، وسجل في الملتقى آلاف الأشخاص، وتم تطوير مهارات الأشخاص الذين تم اختيارهم بموجب هذه المسابقات .
ونوه رئيس مكتب التعليم العالي وقضايا الطلبة إلى أن الجامعات السورية فيها أبحاث علمية مميزة يجب الاستفادة منها، وهذا ليس مسؤولية وزارة التعليم العالي وحدها بل مسؤولية كل وزارات الدولة وكل الجهات الحكومية والخاصة، وطالب هذه الجهات بتحديد احتياجاتها من اليد العاملة والمهارات المطلوبة حتى يكون تحديد الاختصاصات وعدد الطلاب والكليات التي سيتم افتتاحها بناء على هذه الاحتياجات.
“د. صقور: يوجد خلل في سوق العمل فهناك شركات تحتاج لمهارات معينة، وهناك باحثون كثر عن العمل”
كما التقى موقع لأجلك سورية الإخباري مع مجموعة من المختصين بالشأن العلمي لمناقشة آليات ربط مخرجات التعليم العالي بحاجات المجتمع، فقد أكد الدكتور مجد صقور رئيس قسم إدارة الأعمال في الجامعة الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا – IUST، وأستاذ في إدارة الأعمال بجامعة دمشق وهو يحمل شهادة دكتوراه في إدارة الأعمال من بريطانيا، أكد في تصريح له أن موضوع ربط التعليم بالمجتمع هاجس للحكومة والمعنيين في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، مشيراً إلى أن الجامعة تعد مصنعاً أساسياً لكل الاختصاصات التي يحتاجها المجتمع، ومن المهام الأساسية للجامعة جسر الهوة ما بين مخرجات التعليم وسوق العمل ، لافتاً إلى أن الجهات المعنية تعمل على تقليص هذه الفجوة إلى حد ما عبر تحديث المناهج، وتأهيل الطلاب لدخول سوق العمل، وتزويدهم بالمهارات الضرورية لسوق العمل، كي يكون مؤهلا للعمل بمجرد تخرجه.
وطالب الدكتور صقور بأن تكون علامة العملي مثقلة وداعمة للتدريب المهني والميداني للطلاب، وأن يتم التركيز على المهارات العملية على حساب الجانب النظري والاستفادة من تجارب الدول الأخرى، وأن يتم تفعيل وتدعيم عمليات التدريب الصيفية للطلاب كل حسب اختصاصه وفي أماكن العمل الميدانية ذات الصلة، وهنا تبرز أهمية التشاركية بين الجامعات والجهات العامة والخاصة، مقترحا أن تكون السنة الأخيرة للطلاب عملية من خلال التدريب في إحدى الجهات العامة أو الخاصة ورفع تقارير عنها وتقييم الطالب على أساسها.
وأشار الأستاذ في إدارة الأعمال بجامعة دمشق إلى وجود خلل في سوق العمل فهناك شركات تحتاج لمهارات معينة وهناك باحثون عن العمل، مؤكداً ضرورة الربط بين أصحاب الأعمال والباحثين عن العمل، والمسؤولية مشتركة بين كل أطراف المنظومة منها الأكاديمية والقطاع العام والخاص والمشترك، لتدريب خريجي الجامعات وزجهم في سوق العمل والاستفادة من قدراتهم في عملية إعادة البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية.
“د. فضلية: لا توجد صعوبات تعيق ربط التعليم بالمجتمع لكن الصعوبات تكون في التطبيق”
أيضا الدكتور عابد فضلية أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق كان له وجهة نظر في موضوع ربط مخرجات التعليم العالي بسوق العمل، وأكد لموقع لأجلك سورية الإخباري أن التعليم هو لخدمة المجتمع، وبالتالي لا بد من ربطه باحتياجات المجتمع (حصرا) وألا لا فائدة منه، وهذا المبدأ صحيح وساري المفعول في كل الظروف، السلمية وغير السلمية، قبل الحرب وأثناء الحرب، وبعد الحرب، ولدى كل الحكومات الوطنية السابقة والحالية والمستقبلية.
ونفى الدكتور فضلية وجود أي صعوبات أو شك بهذا المبدأ، لكنه أكد وجود صعوبات بتطبيقه بشكل مثالي، ففي ظروف الحرب يكون كل شيء مشوه وصعب ومعقد، وبالتالي قد لا تتحقق معادلة رفد الاختصاصات اللازمة له لعدة أسباب وأهمها هجرة الكفاءات، أو عدم رغبتها بشغل الوظائف ذات الاختصاصات المناسبة لأسباب أهمها انخفاض الرواتب والتعويضات المناسبة.
“د. أبو نصار: بعض المؤسسات لديها مبادرات تشجيعية للطلاب عبر تقديم جوائز لأفضل تصميم أو أفضل مشروع”
الدكتور جهاد أبو نصار الأستاذ المساعد في قسم تعويضات الأسنان الثابتة في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق، ومنسق مكتب براءات الاختراع في جامعة دمشق، أوضح لموقع لأجلك سورية الإخباري أن ربط التعليم بسوق العمل أمر هام جدا لأن غاية التعليم أن يكون الطالب المتخرج من الجامعة قادراً على العمل ومستثمراً لعلومه ومهاراته التي اكتسبها من خلال دراسته الجامعية ويوظفها لخدمة المجتمع ويكسب عيشه من خلال عمله، وإلا ما نفع العلم إذا لم يترجم إلى عمل؟. لافتا إلى أن بعض الشركات والمؤسسات والمصارف والمعامل ومكاتب الموارد البشرية تسعى إلى البحث عن الخريجين الأوائل والمهرة والناجحين في دراستهم لاستقطابهم مباشرة بعد التخرج أو حتى قبل انتهاء دراستهم الجامعية ليقدموا لهم عروض العمل لينخرطوا في سوق العمل، وكثير من الخريجين يؤسسون لأنفسهم مشاريع صغيرة خاصة ويبدؤون بالعمل مباشرة بعد تخرجهم، فمثلا من درس الطب أو طب الأسنان يفتتحون عياداتهم الخاصة أو يتعاقدون مع مراكز علاجية، ومن درس الحقوق مثلا يتمرن بعد التخرج لدى مكتب محاماة ثم يستقل بعمله في مكتب خاص، وكذلك المهندس وغيره من باقي الاختصاصات.
وأضاف الدكتور أبو نصار تأتي أحيانا مبادرات تشجيعية من بعض المؤسسات تعلن للتقدم لمن يرغب من طلاب الجامعة لتقديم أفضل تصميم أو أفضل مشروع مقابل جوائز معينة، مما يخلق تنافسا شريفا بين الطلاب ويجعلهم ينخرطون في سوق العمل، مما يشجع على استقطاب المميزين منهم وإتاحة الفرصة للتعاقد معهم، معتبراً أن الربط بين التعليم وسوق العمل مطبق حالياً حيث يوجد الكثير من الطلاب الذين يعملون أثناء دراستهم الجامعية، كما يتم تعليم الطلاب وخصوصا في الكليات الطبية على معالجة المرضى خلال دراستهم الجامعية في السنوات الأخيرة السريرية إذ يتوافد الكثير من المرضى ليتعالجوا لديهم، ويتلقوا أفضل العلاج بإشراف الأساتذة والمشرفين، وهذا يعبر عن ترابط قوي بين التعليم وسوق العمل.
وبالنسبة للمعوقات التي تواجه الشباب وتمنعه من الدخول في سوق العمل، أكد منسق مكتب براءات الاختراع في جامعة دمشق إلى أن من ابرز هذه المعوقات التفكير بالهجرة أو الاغتراب للبحث عن فرص أكبر أو التهرب من بعض المسؤوليات أو الاعتقاد أن الدراسة الجامعية هي مجرد إرضاء للأهل والحصول على شهادة، منوها أنه لتفعيل ربط الجامعة بالمجتمع علينا أن نزرع ثقافة العمل في أذهان أبنائنا ونزودهم بالمعرفة والعلم الذي ينفعهم وينفع المجتمع ونشجعهم على استثمار علومهم في خدمة الناس بل نعطيهم وظائف من خلال دروسهم العملية لها تطبيق على أرض الواقع. ونعود لنقيمها ونقومها لتكون أفضل وأكثر نفعا.
“د. عمران: هناك العديد من الأبحاث الهامة لا يتم استثمارها كما يجب”
الدكتور وعد عمران عميد شؤون الطلبة وأمين الجامعة الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجياIUST أكد لموقع لأجلك سورية الإخباري وجود ارتباط وثيق بين مخرجات التعليم والمجتمع، بشقيه التربوي والتعليمي، فالتعليم يعتبر حجر الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المتطورة، بمعنى هو الرافعة الحقيقية للتنمية المستدامة، عدا عن كونه الوسيلة الأهم في إعداد وتنشئة جيل واعٍ ومسؤول متسلّح بالعلم والمعرفة ولديه المفاهيم والقيم التي تساهم في نمو وازدهار المجتمع السوري، وانطلاقاً من أهمية ذلك أطلق في سورية شعار ربط الجامعة بالمجتمع، فخلال عقود مضت عملت الجامعات السورية الحكومية والخاصة على رفد مؤسسات الدولة بجيل مؤهل من الخريجين الأكفاء في مختلف التخصصات العلمية التي تحتاجها البلد، فاليوم مؤسسات الدولة مليئة بالخبراء والباحثين والمهندسين والأطباء والمحامين وغيرهم من الكوادر الذين قادوا باقتدار دفة التنمية بمختلف مجالاتها.
ولفت الدكتور عمران إلى أن جامعة دمشق تتواصل دائما مع الوزارات والجهات ذات الصلة باختصاص الهندسات بجميع فروعها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر وزارة الكهرباء والصناعة لتزويد الجامعة ببعض المشاكل التي تعاني منها وتحتاج الى بحوث ودراسات عصرية حديثة تواكب المستجدات بمجالها، ليتم تسليط الضوء عليها من خلال أبحاث طلاب الدراسات العليا أو مشاريع تخرج الطلاب بالمرحلة الدنيا. وتجدر الإشارة هنا إلى وجود مشاريع تخرج نوعية من كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية ومن كلية العلوم التطبيقية والتي شاركت بمعارض متنوعة في جامعة دمشق وخارجها كانت محط اهتمام المستثمرين ورجال الأعمال والشركات الصناعية.
وبخصوص الصعوبات والمشكلات التي تعيق ربط التعليم بالمجتمع، أكد الدكتور عمران وجود فجوة بين البحث العلمي النظري والتطبيقي، والمؤسف أن هناك العديد من الأبحاث الهامة لا يتم استثمارها كما يجب، نظراً لغياب أو محدودية مصادر التمويل، وقلة التحفيز المالي، إضافة إلى “الروتين الرسمي” في التعامل مع مخرجات البحوث العلمية، وغياب التنسيق بين الجهات المعنية والجامعات، رغم أن هناك تأكيد وتوجيه من أعلى المستويات على ضرورة تفعيل التعاون بين الجامعات والمؤسسات الحكومية باستثمار البحث العلمي الذي يعتبر نواة التنمية، معربا عن أمله في أن تضع الحكومة الجديدة ضمن أولوياتها استمرار دعم القطاع التعليمي، وخاصة دعم البحث العلمي وتذليل معوقاته وتأمين كل مستلزماته.
آراء متنوعة أكدت أهمية ربط التعليم بالمجتمع، وأفكار عديدة طرحت لتفعيل هذا الربط لعل المعنيين يتلقفوها لتكون الأساس في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي نحن في أمس الحاجة لها لاسيما في مرحلة إعادة الإعمار.