سورية… جذوري وذاكرتكم .. بقلم: ديرين علي
أنا هنا، في قلب سورية الذي ينبض بالحياة والإصرار رغم كل التحديات، أكتب إليكم بقلبٍ يملؤه الأمل بأن تبقى أرضي حاضرة في ذاكرتكم، أرضاً ارتوت بعبق الحضارات، وتزينت بجمال طبيعي ساحر، وتألقت بلغتها لتنير دروب الفكر والأدب.
أنا هنا، أقف على أرض تحتضن بين ثناياها تاريخاً عريقاً يمتد لآلاف السنين، هنا قامت إيبلا وماري وأوغاريت، وشهدت هذه البقعة من العالم صعود إمبراطوريات عظيمة حفرت بصماتها الخالدة على جدران مدننا وشواهد حضارتنا.
أنا هنا، حيث تتجلى سورية ليست مجرد تاريخ، بل هي لوحة فنية أبدعتها يد الطبيعة بأجمل الألوان، من سهولها الخصبة التي تتمايل فيها سنابل القمح الذهبية في رقصة أبدية، إلى جبالها الشامخة التي تحتضن في أحضانها الغابات الوارفة والينابيع المتدفقة، مروراً بشواطئها الساحرة التي تعانق زرقة البحر الأبيض المتوسط في مشهد يأسر الألباب، في كل زاوية من بلادي، تتجلى آيات الجمال.
أنا هنا، وقلبي يفيض فخراً بلغتنا العربية الفصحى، التي انطلقت كلماتها الأولى من ربوع الشام، لتسافر عبر دروب الزمان والمكان، وتثري آداب العالم وعلومه ببيانها الساحر هنا، بين هذه التلال والوديان، نبتت جذور هذه اللغة الساحرة، التي ما زلنا نتغنى بجمالها وننثر بها أروع الأشعار وأعذب الحكايات.
أنا هنا، حيث تحمل كل محافظة في سورية حكاية فريدة، وكنزاً دفيناً ينتظر شغفكم، دمشق بتاريخها العريق وأزقتها المتعرجة التي تروي قصصاً من الماضي، حلب بقلعتها الشامخة وأسواقها الصاخبة التي تعج بالحياة، حمص بحضارتها الرومانية العريقة التي لا تزال شواهدها تتحدث، اللاذقية بشواطئها الخلابة التي تدعو للاسترخاء، تدمر عروس الصحراء بأعمدتها الشاهقة التي تحاكي النجوم، السويداء بجبالها الشامخة وتراثها الأصيل الذي يحافظ على عبق الماضي، الحسكة بسهولها الواسعة وثرائها الزراعي الذي يغذي الأرض، دير الزور بضفاف الفرات الشاهد على حضارات عريقة، إدلب بجمال طبيعتها وتلالها الخضراء التي تسر الناظرين، طرطوس بآثارها الفينيقية وشواطئها الهادئة التي تبعث السكينة، الرقة التي شهدت حضارات عريقة على ضفاف الفرات، كل مدينة وقرية تحمل في طياتها سحراً خاصاً ينتظر أن يراه العالم.
أنا هنا، حيث كانت بلدي سورية على الدوام مثالًا للتآخي والوئام بين مختلف الطوائف والأديان، عشنا جنباً إلى جنب بروح المحبة والاحترام المتبادل، وتقاسمنا لحظات الفرح والحزن، هذا النسيج الاجتماعي الفريد هو جوهر جمال سورية وقوتها المتأصلة.
أنا هنا، ولا يمكن لذاكرتي أن تنسى ذكريات طفولتي وشبابي، والتجمعات العائلية الدافئة التي كانت تلتف حول موائد الطعام السورية الشهية بروائحها التي لا تُنسى، عبير الياسمين كان يفوح في الأرجاء، وأصوات الضحكات والأحاديث الصادقة تملأ البيوت بالبهجة، كرم الضيافة السوري الأصيل كان وما زال سمة مميزة لأهل هذه الأرض الطيبة، كنّا وما زلنا نتشارك لقمة العيش بحب وسخاء، ونستقبل الضيوف بقلوب مفتوحة ترحب بالجميع.
مهما عصفت بسورية رياح التحديات، ستبقى جذورها عميقة في تربة التاريخ، وستظل شامخة بجمالها الأصيل وكرم أهلها الأبي، لا تنسوا سورية، لأنها تستحق أن تبقى حية في قلوبكم وذاكرتكم، جوهرة تنتظر أن يسطع بريقها من جديد ليضيء العالم بمجدها وعراقتها.
*إعلامية سورية