نبش القمامة.. ظاهرة تعود للانتشار والأطفال أبرز ضحاياها
لأجلك سورية – هيام طعمة
كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة نبش القمامة في شوارع وأحياء المدن السورية، لجمع النفايات الورقية أو البلاستيكية أو المعدنية بهدف بيعها لبعض السماسرة والمعتمدين لدى الورش والمصانع التي تعيد تدويرها، وكان العمل في نبش القمامة يقتصر على أشخاص محددين، ويتم في جنح الظلام للتخفي عن أعين الناس، أو في ساعات الصباح الباكر قبل وصول سيارات جمع القمامة، واليوم أغلب النباشون هم من الأطفال، وعملهم يتم على مدار الساعة بدون حسيب أو رقيب.
” العائد المادي لنبش القمامة هل يستحق هذا الجهد “
موقع لأجلك سورية توقف مطولاً عند ظاهرة نبش القمامة ورصد آراء العديد من الناس حولها، الآنسة سوسن (مدرّسة) وصفت هذه الظاهرة بأنها ظاهرة غير حضارية وانتشارها بهذه الكثافة خلال الفترة الماضية دليل على أن هناك جهات ما تقف وراء عمل النباشين؛ أما أم محمود (ربة منزل) فقد نظرت إلى النباشين بعين الرحمة قائلة : ((الله يعين العالم لولا الظروف الصعبة لما قام احد بنبش القمامة))؛ بينما رأت ميسون (موظفة) أن هناك من ينبش القمامة للحصول على لقمة تسكت جوعه، وقالت : ((رأيت بأم عيني إحدى النساء تنبش القمامة لتخرج منها شيئا لتأكله))؛ أبو عبده (صاحب محل) كان له رأي آخر وقال : ((في الماضي كنا نادراً ما نرى أحد ينبش بالقمامة، ولكن الآن انتشرت هذه الظاهرة بشكل مخيف، ومن المؤكد أن هناك من يجني الأرباح الطائلة من وراء نبش القمامة، ويقال ان يومية النباش لا تقل عن ال 75 الف ليرة سورية))؛ بينما رأى أبو سامر (عامل) أن نبش القمامة اليوم باتت مهنة، والمؤسف أننا لا نرى أي تدخل للجهات المعنية لمنع هذه الظاهرة والحد من انتشارها..
أيضاً لعمال النظافة كان لهم رأي في موضوع نبش القمامة، (نبيل) أحد عمال النظافة قال لموقع لأجلك سورية : ((بدلا من جمع أكياس القمامة ووضعها في عربتي الخاصة، أقوم بجمع القمامة المتناثرة هنا وهناك بسبب نبش الأكياس من قبل النباشين، وهذا الامر يتعبني كثيرا))؛ أما (مروان) وهو عامل نظافة أيضا رأى أن نبش القمامة وبعثرتها بالقرب من الحاويات تساهم في انتشار الحشرات والقوارض، وانتشار رائحة كريهة وخصوصا في هذه الأجواء الحارة؛ بينما طالب (معتز) وهو أيضا أحد عمال النظافة بإيجاد حلول جذرية للنباشين لان جمع القمامة وهي مبعثرة تكبّده عناءاً وجهداً إضافياً، إضافة إلى الجهد الذي يبذله أصلا في عمله بجمع القمامة..
وللوقوف على الحلول المقترحة من قبل المواطنين للحد من ظاهرة نبش القمامة التقى موقع لأجلك سورية مع بعضهم حيث تساءلت حلا (طالبة جامعية) لماذا لا يتم فرز القمامة في البيوت قبل أن توضع في الحاويات؟.. ولماذا لا تقوم المحافظة بوضع عدد من الحاويات وكل حاوية مخصصة لنوع معين من أنواع القمامة؟.. وبذلك يتم الحفاظ على البيئة وبالتالي نمنع ظاهرة نبش القمامة؛ بينما طالبت نور( موظفة) بإيجاد فرص عمل ل نباشي القمامة الذين امتهنوا هذا العمل من أجل الحاجة المادية، أما رويدة (طالبة جامعية) رأت أن على الإعلام نشر رسائل توعوية للحد من هذه الظاهرة غير الحضارية، وتعزيز ثقافة فرز القمامة، وعلى المحافظة أن تقوم بمراقبة أماكن تجمع القمامة والمسارعة على جمعها قبل وصول النباشون إليها..
“آقبيق: مخالفة قانون النظافة يساهم في استغلال الأطفال بنبش القمامة “
وفيما يتعلق بالناحية القانونية لظاهرة رمي ونبش القمامة أوضحت المحامية ساهير آقبيق لموقع لأجلك سورية أن القانون رقم 49 الصادر عام 2004 المتعلق بشؤون النظافة العامة قد حظر رمي النفايات بأكياس غير محكمة، ورمي مخلفات الطعام والمشروبات من الشرفات والنوافذ سواء في الأحياء أو الشوارع أو الأنهار، كما حظر على أصحاب الفعاليات التجارية والحرفية وشاغلي الشقق إلقاء القمامة في غير الأماكن المخصصة والساعات المحددة لها تحت طائلة المسؤولية وفرض غرامات مالية بحق المخالفين، مشيرة إلى أن المادة /6/ من القانون 49 تقول أنه «يحظر، تحت طائلة المسؤولية وفرض العقوبة المنصوص عليها في الفصل (ؤ) من هذا القانون، نبش النفايات في الحاويات وسلال المحال وأماكن تجمعها..»
ولفتت المحامية آقبيق إلى أن النظافة العامة مسؤولية الجميع والتعاون هو السبيل الوحيد للوصول إلى بيئة صحية، ولا يمكن أن تقتصر النظافة العامة على جهود وواجبات جهة معينة في الدولة، إنما هي سلوك يومي وواجب مجتمعي ينبغي أن يلتزم به كل فرد، فضلا عن أن مخالفة قانون النظافة وعدم الالتزام برمي النفايات بأماكنها المخصصة يساعد على استغلال الأطفال بأخطر أشكال العمالة وهي عمالة نبش النفايات غير القانونية وغير الإنسانية، ورغم ذلك نجد الكثير ممن يقومون بهذا التصرف المخالف للقانون والمعبر عن قلة الوعي..
“طنوس: نبش القمامة لها آثار ضارة على الصحة العامة وتشوه مظهر المدينة”..
ولمعرفة رأي محافظة دمشق بعملية تدوير النفايات وعلاقتها بظاهرة نبش القمامة التقى موقع لأجلك سورية مع المهندس علّام طنوس عضو مجلس محافظة دمشق الذي أكد أن إعادة تدوير النفايات وإعادة استخدامها بشكلها المصنّع أو إعادة تصنيعها كمواد أولية، هو أمر إيجابي وجيد تعمل جميع الدول على تنظيمه ووضع آليات ومكبات خاصة لفرز القمامة، وكان لدينا تجربة في سورية في هذا المجال، ولكن العقوبات والحرب على سورية أثرت بشكل سلبي كبير عليها، وبالتالي من المهم هنا إعادة العمل على تنظيم واستثمار هذا القطاع بعيدا عن الشوارع والناس، لما لنبش القمامة من آثار ضارة على الصحة العامة وتشويه لمظهر المدينة..
ورأى المهندس طنوس أن ظاهرة انتشار النباشون تعكس مشكلة اجتماعية نتيجة واقع معيشي يعاني من قلة فرص العمل وتكاليف المعيشة العالية مما دفع الكثير للعمل أو إرسال أولادهم للعمل بهذه المهنة، وهنا تكمن الخطورة على المجتمع في تسرب عدد من المراهقين والأطفال خارج المدارس، مشيرا إلى انه يجب على الجميع معرفة أن الطفل النباش هو ضحية وليس مجرماً، وإن من يشغّله هو من يخالف القانون وهو من يستحق العقوبة الشديدة، لذلك لابد من حل هذه الظاهرة عبر إيجاد آليات لمعالجة وفرز النفايات ومحاسبة مشغلي الأطفال في هذه المهنة..
بعض الذين يمتهنون نبش القمامة أكدوا لموقع لأجلك سورية أن عملية نبش القمامة وجمعها ضمن أكياس خاصة تتطلب الكثير من الجهد والتعب، وكانت في السابق تدر أرباحاً طائلة، أما اليوم وفي ظل كثرة أعداد النباشين بات العمل أكثر تعباً ومردوده ليس كالسابق..
للإضاءة على موضوع عمالة الأطفال وخصوصا في نبش القمامة حاول موقع لأجلك سورية التواصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للحديث عن هذا الموضوع ، وأكد مصدر بالوزارة -رفض الافصاح عن اسمه- بان الوزارة مهتمة بموضوع عمالة الاطفال وهناك قانون جديد يتم العمل عليه حاليا في هذا الخصوص..
ورغم أن عماله الأطفال مرفوضة جملةً وتفصيلاً، ولكن أن تستخدم البراعم الغضة في نبش القمامة هذا مالا يرضاه عقل ولا خلق ولا دين، وحتى المنظمات الإنسانية تطالب دوما بالحد من ظاهرة عمالة الأطفال، فكيف إذا كان العمل في نبش القمامة؟.