لماذا لا يُسمح لمؤسسة التبغ إعطاء تراخيص للقطاع الخاص كي يصنع السجاير المنافسة ..؟!
تحظى المحاصيل الاستراتيجية في سورية بدعمٍ كريم من الحكومة فعلاً، وهي في هذه الأيام ( القمح، والقطن، والتبغ ) وكان الشوندر السكري أيضاً، غير أنه حالياً من المحاصيل المؤجّلة نتيجة الظروف الحالية في سورية.
وتلك المحاصيل الثلاثة التي تحظى بدعمٍ متوازن حسب احتياجات كل محصول، نرى أنّ هذا الدعم يؤثّر بشكلٍ جيد على القمح والقطن، ولكن الغريب أن تأثيره يبدو وكأنه لا يطال تحسين أوضاع مؤسسة التبغ، فهي تشهد حالة من التراجع في الإنتاج، وتراجع آخر في التسويق، على الرغم من أنها تمتلك مواد أوليّة فائضة قابلة للإنتاج الصناعي، كما أنها أمام سوقٍ داخلي واسع والملايين من روّاده مدخنون .. فما الحكاية ..؟
هنا أفخر أنواع التبوغ
الحكاية ليست زراعية على ما أعتقد، فالتبغ السوري مشهودٌ له بالجودة العالية، وبأنه من أفخر أنواع التبوغ، كما أنّ الإنتاج كبير بحدود 14 ألف طن وسطياً في السنة، وهو قابل للزيادة بمساحات كبيرة أخرى يمكن أن تُزرع به، كما أنّ البيئة السورية تعتبر ممتازة لتنوّع الأصناف، إذ يمكن زيادة عدد الأصناف بما يضمن وجود خلطات مميزة لسجائر مرغوبة.
الحكاية على ما يبدو – ومثلما نلاحظ جميعاً أصلاً – صناعية وتسويقيّة فالمؤسسة العامة للتبغ ما تزال تتحكّم بالصناعة المحلية للتبغ دون أي منافس، فلا تجد ما يستدعي لتحسين صناعتها، ولا لتطوير أساليب تسويقها، ولو كان لها منافس تصنيعي محلي واحد لايختلف الأمر كثيراً على ما نعتقد، فليس من فراغ أنها لم تستطع تصنيع أكثر من 60% من خطتها الإنتاجية قياساً ببياناتها المتوفرة منتصف العام الماضي، ففي حين خططت لإنتاج / 4000 / طن من السجاير والتبغ الفلش والتنباك، عند 30 / 6 / 2019 / بقيمة / 25 / مليار و / 952 / مليون ليرة، غير أنها لم تستطع إنتاج أكثر من / 2598 / طناً بقيمة / 13 / مليار و / 274 / مليون ليرة، أي بنسبة تنفيذ 65% من حيث الكمية، و 51% من حيث القيمة.
أما من حيث التسويق فكان الوضع أردأ، إذ خططت لتسويق الكمية المخططة إنتاجياً والبالغة – كما أشرنا – 4000 طن بقيمة / 25 / مليار و / 952 / مليون ليرة، ولكنها لم تستطع بيع سوى / 1994 / طناً، بقيمة / 11 / مليار و / 560 / مليون ليرة وكانت نسبة التنفيذ النهائية 50% من حيث الكمية و 45% من حيث القيمة، وذلك عند 30 / 6 / 2019م.
مالسبب بهذا التراجع ..؟!
نعتقد أن هذه الرداءة الإنتاجية والتسويقية طبيعية في ظل غياب أي منافس صناعي محلي يعمل على تحريض مؤسسة التبغ كي تتجه بشكل جدي نحو تحسين إنتاجها، وأنواع السجاير المصنعة، وطرائق التسويق، فليس عبثاً أن سورية تستهلك يومياً نحو مليون علبة سجاير مستوردة أو مهربة حسب إحصائيات بهذا الشأن، في حين تتعثّر مؤسسة التبغ بتسويق منتجاتها، وتتذرّع المؤسسة بأن أسباب انخفاض المبيعات والتسويق يعود إلى وجود كميات كبيرة من السجاير الأجنبية المهربة وبأسعار رخيصة في السوق المحلية ( وهذا الكلام ليس دقيقاً لأن أسعار السجاير المحلية أقل من مختلف الأنواع الأجنبية المستوردة والمهربة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن السجاير الأجنبية مرغوبة بطعمها وشكلها أكثر بكثير من الأصناف المحلية، والتي تقتصر على الحمراء بمختلف أنواعها، والشرق وإيبلا والشام وهذه الأصناف كل واحد منها أسوأ من الثاني تصنيعاً وشكلاً وطعماً، ولهذا يتجه المدخنون نحو الأصناف الأجنبية السلسة وذات التصنيع الجذاب، مع أن المؤسسة قادرة على إنتاج أصناف أخرى من السجاير باعتماد خلطات من أنواع مختلفة من التبغ تتفوق على تلك السجاير الأجنبية، التي من السهل جداً منافستها لأنها بالأصل ورغم تفوّقها رديئة جداً )
كما تتذرّع المؤسسة العامة للتبغ مبرّرة ضعف التسويق، بصعوبة الوصول إلى بعض المناطق خاصة الأرياف، لأن القسم الأكبر من المبيعات يتركز فيها، وهذا العذر غير مقنع إطلاقاً، فعلب السجاير الوطنية والمستوردة متواجدة في أقاصي الأرياف جنباً إلى جنب، ولكن المشكلة بالتفضيل والاختيار، ثم لنفترض أن مؤسسة التبغ تقف عند صعوبات الوصول إلى الأرياف، فهذه الحجة غير مقنعة، لأن الوصول إلى أقاصي الأرياف من أسهل ما يمكن، ولا شي يعيق ذلك ..!
وما الحل ..؟
نرى أننا أمام حلّين محتملين :
الأول : أن تهتم المؤسسة بتحسين أصناف صناعاتها من السجاير وابتكار أصناف جديدة مغلفة بشكلٍ جيد، وذات طعم مرغوب .. وهي قادرة.
الثاني : التخلّي عن احتكار صناعة التبغ – ولو جزئيا – والسماح للقطاع الخاص ليتنافس في هذا الميدان، كما فعلت مؤسسة البريد مثلاً بالسماح والترخيص من قبلها لشركات خاصة بممارسة الخدمات البريدية والحوالات المالية ( كشركة القدموس مثلاً ) وقد نافست ونجحت نجاحاً باهراً في ذلك، فما الذي يمنع مؤسسة التبغ من الترخيص لشركات خاصة تقوم بتصنيع سجاير وطنية منافسة إن كانت المؤسسة غير قادرة على ذلك ..؟ حتى وما الذي يمنع إن كانت قادرة أيضا ..؟!.. لا أشك بأن تبغنا أفضل من كل التبغ القادم من الخارج، ونحن قادرون على منافسته بشكل كبير .. ولكن كيف لنا أن نفعل ذلك والسيد المدير العام للمؤسسة العامة للتبغ لا يُدخّن ..؟!! كيف سيقرر أنّ هذا الصنف من السجاير سيكون مرغوباً وذاك يحتاج إلى تعديل والثالث لا داعي له ..؟! بصراحة هذه معضلة لم أفهمها بعد ..!