توجه جديد للتعاطي مع ملف الاستثمار …حزمة واحدة متكاملة
تتجه وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية إلى إعادة ترتيب آليات التعاطي مع ملف الاستثمار بشكل مختلف كلياً عن الآليات السابقة، بعد أن آلت إليها مهمة إدارة هذا الملف الذي يصفه الخبراء بـ”الحساس” وربما تنظر إليه الحكومة بالطريقة ذاتها.
وتجتهد الوزارة حالياً في التعاطي مع مهمتها الجديدة ككتلة واحدة تقوم على التكامل الحقيقي بين كل الجهات المعنية بمهمة إنعاش هذا القطاع والتابعة للوزارة، وهي هيئة الاستثمار السورية وهيئة تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة، والمؤسسة العامة للمناطق الحرّة السورية التي تعمل بنظام استثمار خاص بها.
وترى مصادر الوزارة أن الربط بين مهام الجهات الثلاث لجهة التأثير والتكامل المتبادل، سيكون خطوة مهمة على طريق إعادة إنعاش مطارح التوظيف الرأسمالي، وتعزيز بنية الاستثمار بمختلف مستوياتها الصغير والمتوسط والثقيل، فكل أشكال الاستثمار تخضع للبيئة والمعايير ذاتها، التي يجري إيلاؤها عناية فائقة حالياً والتشبيك مع كل الجهات ذات الصلة لتذليل العقبات التي تعتري بيئة الاستثمار عموماً.
فيما يرى خبراء التنمية أن مهمة إنعاش الاستثمار مهمة متكاملة لا يمكن أن تضطلع بها وزارة الاقتصاد منفردة، حتى ولو كانت هي المعنية بإدارة الملف رسمياً، إذ ثمة مهام أخرى تتصل بجهات متعددة، من الإدارة المحلية ومجالس المدن والبلدات، إلى وزارة المالية والمصارف المعنية بالتمويل، إلى الوزارات المختصة تبعاً لطبيعة ونوع كل استثمار كوزارتي الصناعة والزراعة.
وكان شامل بدران الباحث الاقتصادي اعتبر، في دراسة رؤية تنموية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أن عدم معرفة مدى مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي من أهم الإشكاليات في الاقتصاد السوري، وذلك نظراً لعدم توافر بيانات دقيقة عن حجم هذه المشروعات، وحجم نشاطها من جهة، وطريقة حساب الناتج المحلي الإجمالي من جهة أخرى، بحيث تتم عملية التجميع على المستوى الوطني، حيث يتم، في ظل غياب البيانات والمعطيات، تقدير البيانات على المستوى القطاعي، ما يعطي صورة غير دقيقة عن حجم المساهمات الفعلية في الناتج المحلي الإجمالي.
وطرح بدران أيضاً إشكالية القطاع غير المنظم التي تعتبر السمة الغالبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في سورية، ولا سيما المشروعات متناهية الصغر منها، العاملة في القطاع غير المنظم، حيث بلغت نسبة هذا القطاع قبل الأزمة حوالي 34%، لتتزايد خلال الأزمة لحدود مرتفعة جداً، ما يؤثر بشكل سلبي على عمل المشروعات، وعلى زيادة نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، ويقلّص فرص التوظيف، وفرص التدريب والتمويل، ومن الصعوبات أيضاً عدم القدرة على التمويل، وعدم القدرة على تأمين الضمانات التقليدية الكافية للبنوك.
وأشار إلى أهمية وضع أسس لعملية تتبع تنفيذ عملية الإقراض للاستفادة من الثغرات السابقة في هذا المجال، لجهة تعثر المقترضين، وفشل الهدف من الإقراض، بحيث يتم وضع خطة متكاملة لمتابعة المشروعات المقترضة، منذ بداية التأسيس حتى مرحلة الإنتاج والتسويق، وذلك بإشراف كوادر اقتصادية متخصصة في كل مجال من مجالات الإنتاج والتسويق، وتقديم المشورة الاقتصادية لتخطي العثرات، ولا سيما في مرحلة التأسيس.
لافتاً إلى ضرورة توجيه الإقراض باتجاه القطاع الزراعي والتصنيع الزراعي نظراً لاعتماد الحكومة حالياً على القطاع الزراعي كحامل أساسي لتجنيب البلد وطأة الحصار الجائر، وكداعم للأسر الأشد احتياجاً، و إلى أنه على الرغم من أهمية تلك الاستراتيجية حالياً، إلا أن تعزيزها يتطلب استراتيجية تصنيع زراعية، لأن الصناعة تقدم قيماً مضافة أعلى، ويمكن الاستفادة من تكنولوجيا الإنتاج المتقدم، وكل ذلك- برأي بدران- يقتضي توجيه “مؤسسات التمويل الأصغر” لتعبئة الموارد وفق مصلحة الاقتصاد الوطني، وخصوصاً في المرحلة الحالية، مرحلة سورية ما بعد الحرب.