الحرب في أوكرانيا وشظاياها في أسواقنا! ارتفاع غير مسبوق للأسعار .. أين “حماة” المستهلك؟!
يتابع العالم بكثير من القلق مجريات الحرب في أوكرانيا وسط توقعات خطيرة على الاقتصاد العالمي، علماً أن العالم كان على أعتاب حرب مالية واقتصادية مع التضخم المرتفع، ما يعني أن طين الحرب سيزداد بلّة!.
محلياً يحاول المواطن السوري أن يجد تفسيراً مقنعاً للارتفاع الجنوني للأسعار منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وسط تضارب تصريحات المعنيين وقلة حيلتهم في ضبط فوضى الأسعار، وما “يضع العقل بالكف” على قولة غالبية المواطنين أنه في عزّ مآسي الحرب عندنا لم تصل الأسعار إلى هذا الحد، متسائلين: هل فقد “حماة” المستهلك السيطرة على الأسواق؟!
لا يتردد الكثيرون في القول، أن هناك تساهل واضح يتجلى بعدم وجود رقابة رادعة للتجار من أصحاب الضمائر الميتة والسماسرة الذين يتلاعبون في قوت المواطن، والمؤسف أن الضبوط التموينية التي تسجل هي بحق صغار الباعة من أصحاب الدكاكين الذين يتدبرون قوت يومهم بهامش ربح بسيط، أي أن تلك الضبوط لا تطال “عناترة” المخازين المتخمة بأصناف المواد والسلع الغذائية بقصد تحقيق الربح الفاحش دون حسيب أو رقيب!
ارتفاعات غير مبررة!
ما يلاحظ أن ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه والبرغل والبقوليات والمياه المعدنية وغيرها بدأت بالارتفاع منذ اليوم الأول للحرب الأوكرانية، فما علاقة هذا المنتج الوطني بالحرب هناك؟، هو سؤال بات لسان حال كل مواطن يخشى أن تصل الأمور إلى أسوأ مما نحن فيه الآن!.
أحد المواطنين اقترح مقاطعة اللحوم والبيض والزيوت ومواد غذائية أخرى لمدة شهر في محاولة للضغط على المحتكرين كي تكسد بضاعتهم، ودفعهم بالنتيجة للبيع بسعر مخفض، آملاً أن يكون هناك دعم حكومي لمحاسبة كل “مصاص دماء” على حد قوله.
الخوف من القادم
خبراء الاقتصاد في سورية، يتوقعون أن يستمر ارتفاع الأسعار عالمياً مع استمرار الحرب الأوكرانية، ولكن التأثير في سورية سيكون مختلف، بل أكثر ضرراً كون البلد منهكة اقتصادياً من حرب العشر سنوات، ولا تحتمل أكثر من ذلك، وهذا ما يحتّم البحث عن بدائل للتخفيف من حدة الغلاء، وانتقد أحدهم القرارات الحكومية الأخيرة بشأن تطويق تداعيات الحرب الأوكرانية، واعتبرها “المحفز” الذي أعطى شرارة البدء للتجار برفع الأسعار، وكأنها حللت لهم ذلك، فصار كل تاجر كبيراً كان أم صغيراً يضع السعر الذي يناسبه، هنا طالب البعض بضرورة التدقيق من وزارة المالية لمعرفة التاجر الحقيقي من التاجر الوهمي الذي غايته الانتفاع بالدولار أكثر من تأمين السلع!.
وعود المعنيين
على مدار الأيام الماضية تابعنا سيلاً من التصريحات للمعنيين بالأمر، وكان المواطن يأمل أن يرى تحركاً فعلياً على الأرض لضبط الأسعار، فوزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل قال في رده على سؤال أحد الزملاء الصحفيين خلال مؤتمر صحفي بخصوص استغلال التجار للوضع الراهن واستغلال الأزمة اﻷوكرانية وقيامهم برفع الأسعار “أنه لا حجة للتجار لرفع الأسعار وهذا الموضوع غير قابل للنقاش”، وكان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم، قد برر ارتفاع أسعار عدد من المواد الأساسية، بوجود شحّ في جميع المواد بالأسواق، وأن ارتفاع الأسعار لا يشمل جميع المواد، مشيرًا إلى أن بعض التجار يرفعون الأسعار من تلقاء أنفسهم خلال الفترة الحالية.
أما عضو غرفة تجارة دمشق محمد أنس الأبرص فيعوّل على الضمير و زرع ثقافة التقوى بالله بين التجار للتعامل مع ارتفاع الأسعار!، فيما اعترف أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزه في تصريح صحفي أن ارتفاع الأسعار وخاصة الزيوت متصاعد بشكل يومي وهو مرشح للتصاعد، وبرأيه أنه لا يوجد أي مبرر داخلي لهذا الارتفاع المتواتر في أسعار الزيت الذي تصدّر مشهد الغلاء لكون التوريدات الجديدة لم تصل إلى البلد بعد، والكميات المتوفرة في المخازين داخل البلد لم يحدث عليها أي تغيير آني يبرر هذا الارتفاع المتواتر بالأسعار.
حتى أنت يا بصل!
هستيريا زيادة الأسعار إن جاز الوصف جعلت المواطن يتهيب من النزول إلى السوق، فهو يحتاج المال الكثير ليشتري الشيء القليل، واللافت في الأسعار غلاء بعض المواد التي لا علاقة لها بالمستوردات بل هي منتجات محلية ومتوفرة بكثرة كالزيتون الأخضر والأسود الجاهز للأكل ومشتقات الألبان، وكذلك غلاء المربيات بأنواعها، وحتى البصل اليابس والأخضر، ما جعل البعض يتندر على مواقع التواصل الاجتماعي بكتابة عبارات السخرية من الوضع منها “حتى أنت يا بصل” أو “والله أيامك يا بصل”.
وعلق الكثيرون على إعلان وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن ضخ كميات جيدة من زيت دوار الشمس في الأسواق، معتبرين أنها خطوة جيدة لكن سؤالهم: من يضمن أنها ستباع بنفس السعر، في إشارة منهم إلى محاولة التجار شراء كميات كبيرة من الزيوت واحتكارها لبيعها بأسعار خيالية وصلت إلى حد 14500 ليرة!.
غياب ثقافة الشكوى
يتضح من ذلك أن غلاء الأسعار بات موضة في الأسواق، وبعضهم شبّه الوضع بالحمى التي تنتقل عدواها من مادة إلى أخرى في ظل غياب الرقابة على الأسواق، وأيضاً غياب ثقافة الشكوى عند المواطن، الأمر الذي يجعل الباعة يفرضون السعر الذي يريدونه دون خوف من أحد!.
المشكلة أن الحابل اختلط بالنابل، فلم يعد المواطن المستهلك يعرف السبب الحقيقي لارتفاع الأسعار متسائلاً أحدهم: هل رفع الدعم عن بعض الشرائح هو الذي فاقم مشكلة الأسعار أم الحرب الأوكرانية التي اتخذها البعض شماعة جديدة لتبرير الغلاء بما فيهم الجهات المعنية؟.
الحلول البديلة
إنه لأمر مستهجن ما يمارسه البعض من عديمي الأخلاق من تجار لا يملكون ذرة كرامة أو انتماء لهذا الوطن، والمستغرب أن يصل الجشع إلى هذا الحد في وقت يجب أن نكون متكافلين مع بعض للخروج مما نحن فيه من وضع معيشي معقد وصعب منذ ما يزيد عن عشر سنوات حرب لن تُبقِ شيئاً إلا ودمرته، لكن على ما يبدو أن البعض لم يتعلم من دروسها إلا القسوة، فما يهمهم هو جمع المال ولو كان على حساب آلام الشعب الذي لولا صموده ما بقيت مصالحهم قائمة!.
بالمختصر، نار الأسعار تأكل الأخضر واليابس ولا مجال للوقوف أمامها مكتوفي الأيدي، خاصة وأن هناك بدائل تحتاج لمن يتعامل معها بشكل صحيح، ففي سورية عشرات، بل مئات آلاف الهكتارات القابلة لزراعة القمح والذرة وكل أصناف الخضروات والأشجار المثمرة، فقط نحتاج لخطط وبرامج وإدارة ناجحة لتقديم الدعم الحقيقي للمزارعين ومربي الثروة الحيوانية والعاملين في صناعة الدواجن وكل ما من شأنه دعم المنتج الوطني للتخفيف قدر المستطاع من المستوردات بالعملة الصعبة.
البعث الأسبوعية – غسان فطوم