بين قهرين وأكثر…
غانم محمد
أن يكون قلبكَ على بلدكَ فهذا موقفٌ أخلاقيّ قبل أن يكون واجباً، وهو سلوكٌ إنسانيّ طبيعيّ قبل أن يكون تعبيراً عن انتماء مكانيّ أو سياسيّ، أو أي شيء آخر، لكن عندما تشعر أنك تُسرَق من ذاتك، أو أنّ هناك من يدفعكَ لتكون خارج السياق، فالأولى أن تشفق على نفسكَ، أقلّه حتى تستطيع الإحساس بأي شيء آخر…
ما زلنا حتى اللحظة نفتّش بأيّ قرار يصدر عن مفردةٍ إيجابية لنسطّر منها عناوين (طنّانة)، لكن وبكل أسف فإن نتائج بحثنا غالباً ما تكون مخيّبة للآمال، فيسقط ما بأيدينا، ونقف حائرين، بالعيّ الموس على الحدّين، وحاصرين بأكثر من قهر!
مقهورون على أنفسنا، فقد هُنّا (وانكسرت شوكتنا) أمام ذواتنا، فمن لا يستطيع أن يُشبع لأفراد أسرته بيضاً لا يحقّ له أن يكون ربّ أسرة، ومن لا يكون ربّ أسرة لا يحقّ له أن يقودها، ومن هنا فإن عناوين ضياع كثيرة باتت تطالعنا كلّ صباح..
(.. تركتُ المدرسة، أساعد أبي في العمل.. أبي غير موظف وكذلك أمي.. نريد أن نعيش يا أستاذ..).
أن تسمع هذا الكلام من فتى عمره (13) سنة، فهذا يعني أن الأسرة التي ينتمي إليها فقدت كلّ مقومات الأمل، واستسلمت للقهر الذي قد لا ينجلي قريباً..
(.. الانفراجات أقرب من حبل الوريد)، يؤكد أحدهم، وينسب تفاؤله إلى مصادر موثوقة ومقربة من أصحاب القرار..
نلتفتُ حولنا، وإذ بالطوابير عادت إلى محطات الوقود، وإذ بالمنظر أمام مراكز توزيع المساعدات يزداد سوءاً وازدحاماً..
تثاقلت ألأمنيات، وقلّ انبعاث رائحة الشواء حتى في المناسبات السعيدة والخاصة، حتى (الزعتر) رفيق أولادنا إلى المدرسة غاب عن حقائبهم لعدم توفّر الزيت، رغم أنف التصريحات الرسمية التي تحدّثت وبشّر ت بتأمين هذه المادة الأساسية بسعر معقول!
بصوتٍ مخنوق، نتوجه إلى حكومتنا قبل عيد الفطر بشهر كامل: أخرجوا زكاة عيد الفطر للجميع، موظفين وغير موظفين، علّنا نستعيد إحساسنا بالأشياء الجميلة..
أضيفوا إلى ثوب صبرنا الممزق ولو (رقعة جديدة) تُفرحنا، فقد اشتقنا إلى أي شيء جديد باستثناء القهر الموجع!
في بقايا ذكريات الزمن الجميل، كنّا نحرص على توفير القطع النقدية الصغيرة (100- 200) ليرة لنوزعها على الأطفال ونرسمك الفرحة على محياهم، لكن حتى الألف ليرة لم تعد تسعد أي طفل، ومع هذا لا تتوفر لدينا!